بسم الله الرحمن الرحيم
هذه ملحوظة أحببت أن يشاركني الاخوة في النقاش حولها لنتلافاها إن حُسبت علينا بالسلب أو نلزمها إن جادت علينا بالكسب.
ولم أعمل جاهداً على تفتيشها ، ولم تتراءى لي بعد طول نظر وعميق تفكير ، ولم أبحر في الأعماق لأراها بل أبصرتها طافية على سطح البحر ، يراها كل ذي عين ويعقلها كل ذي لبّ، وإني إذ أتناولها أتناولها بما رأتها عيني وقد رأت فيها سلباً لا أحسب من وراءه منفعة، الا وهي قضية الغموض.
أما وإني أقرأ لجرير والفرزدق والمتنبي والبحتري وابن الرومي وأبو تمام وصفي الدين والباعونية ............الخ فأفهم منهم مايقولونه وأصل معهم لما يرمونه لا يحول بيني وبين ذلك الا ما استشكل علي من شريد اللفظ وغريب المعنى وذلك لضعف مني في اللغة واشتغالا عنها بلغة ليس لها نسب ولا حسب قد ضاعت بين اللغات فأشفقت عليها العربية فتبنتها فجعلتها لها ابنةفصار اسمها عامية بنت عربية، وأقرأ هنا ( في المنتدى) شعراً لقومٍ فلا أفهم منه الا بيت واحدا كان جزءاً من ثلا ثين جزء مثله ، ثم اكتشف أن فهمي للبيت لم يكن صحيحا الا في شطره الأول وأن صحته كانت في الجملة الأولى منه ،فأشك في عقلي وأتهم فقهي وأقول في نفسي إن هؤلاء القوم لهم من المعاني ما لا تصل له ضعاف العقول أمثالي ولا تحيط به صغائر الأفهام ولا تطوف على حدوده براعم الألباب، ويزيد من حسرتي على نفسي تهافت الردود على تلك القصيدة أو تلك الخاطرة بالثناء والمدح والإجلال والإكبار فألوم نفسي حينها أني الوحيد الذي لم يفهم والبليد الذي لم يدرك ، فأرسل لصاحب القصيدة رسالة مفادها أني رديء الفهم ، فاشرح لي بيتاً واحد لا شرّح الطبيب جسدك ،فأنتظر الرد الملكي من الشاعر الموقّر أو الكاتب الفذ فلا يفجأني منه الا قوله لي"واحسرتا الأدب عليك ظننتك تفهم ما بين السطور"عندها أدرك أني فهمت القصيدة تمام الفهم وذلك أن الشاعر لا يفهم شيئا من حروفه المنظومة،فإن ساقك القدر وفهمت بيتاً من القصيدة فاعلم أنك شطحت عن الدرب الصحيح وجانبت الصواب الصريح إذ الأصل أن لا تفهم شيئا وإنماترى كلاما طري اللفظ سليم الوزن قد صُفّ كما تصف الأشعار فترد عليها بقولك ( ما شاء الله تبارك الله قصيدة رائعة او خاطرة بديعة) .
ومما يزيد من اضطراب ذهنك واشتغال حيرتك تلك المقدمة التي يقدّم بها الشاعر قصيدته أوالكاتب خاطرته فيبلغ منك العجز منتهاه حين تريد التوفيق بين المقدمة والقصيدة فتقرأ غلى سبيل المثال قصيدة مطلعها( أبيات ليست لأحد)
هاج الشجيّ بماء النهر فاحترقا .......................................و هوى الى سقف الروابي خلسة فسقى
واستنجدت أوتاره عزفاً بلا لحن ........................................ ..........فلعله وبلحنه يشفيه ما افترقا
........................................ ........................................ ...الخ
ثم يُقدم لها بقوله"لقد آلمني حال اخوتي في العراق فجادت قريحتي بهذه الأبيات".
والمتمعّن بعيني عقله يرى أن قضية الغموض ماهي الا حيلة من الحيل للهروب من المعاني التي ومن خلالها يتم تقويم القصيدة ومعرفة مواطن العوج فيها والحكم عليها.
ولعلي هنا أختم بهذه التساؤلات لأقول:
_ ماهو الغموض وهل الرمز أحد أنواعه ؟
_إذا أثبتنا الغموض فأين يكون محله ؟ هل هو في تراكيب الألفاظ أم مقاصد المعاني أم كليهما معاً؟
_ هل ظاهرة الغموض قديمة الأصل أم حديثة العهد؟هل القصائد المتفردة والأبيات التي تجري علىكل لسان تحتوي على شيء؟ وهل هناك بيت غامض تردّده الألسنة؟